الطالب الجامعي والمسؤولية الفكرية2
2 مشترك
مـنـتـديــات حـضـانــة مـيـســـون :: منتدى التنمية البشرية :: منتدى التنمية البشرية :: القسم الإسلامي
صفحة 1 من اصل 1
الطالب الجامعي والمسؤولية الفكرية2
تشجيع الطاقات والكفاءات:
يزخر مجتمعنا كغيره من المجتمعات بكفاءات وقدرات عالية، قادرة على العطاء والإنتاج، لذا يتحتم علينا تشجيع هذه الكفاءات ودعمها، ولو بالكلمة الطيبة التي تعتبر بمثابة الصدقة، كأضعف الإيمان، وذلك من أجل أن تعمل هذه الطاقات على خدمة أمتنا عن طريق الكتابة والتأليف، ونشر الكتاب الإسلامي الهادف الذي يبشر بالفكر الرسالي الخلاّق.
"وعلى كل فرد أن يساهم بالقدر الممكن، فهذا يطبع ألوف الكتب والآخر… يتكفل بإصدار جريدة أو مجلة ذات مستوى جيد، وهكذا " (9).
فالمطلوب نشر 3 مليارات من الكتب، كما يرى المرجع الديني المعاصر الإمام (السيد محمد الحسيني الشيرازي) في أطروحةٍ جديدة له وذلك أضعف الإيمان حسب قوله! بحيث تتنوع هذه الكتب "في مختلف الجوانب الإسلامية، وبمختلف المستويات واللغات ، فإن الإسلام قد اختفى تحت ضباب كثيف من الجهل والغموض والإثارات ضده، ولا يمكن إخراجه منه إلا بتعميم العلم به، ومن طرق تعميم العلم به، الكتب المبينة لمختلف جوانبه، فإن أعداء الإسلام والجاهلين به، نشروا أضعاف هذا العدد من الكتب لمحاربته والتنقيص منه" (10).
وأمامي الآن بعض الأرقام والإحصائيات التي نقلها فضيلة الدكتور الشيخ (حسن موسى الصفار) عن الداعية المعروف الشيخ (أحمد حسن ديدات)، أقتطع منها ما يلي:
- هناك مجلة مسيحية تبشيرية اسمها (الثمرة الجلية The Plain Fruit) تصدر في الولايات المتحدة الأمريكيـة ، وتوزع منها ثمانية ملايين وثمانمائة ألف نسخة شهرياً، وهي مجانية، ولا تصدر عن دائرة حكومية، بل إن ناشرها شخص واحد، ولديه محطات تلفاز واستديوهات فيديو.
- وتوجد في الولايات المتحدة الأمريكية جماعة يطلقون على أنفسهم (شهود يهوه) يبلغ عدد أعضائهم في العالم حوالي مليوني عضو، وإذا نشروا كتاباً يطبعون منه أربعة وثمانين مليون نسخة، ويترجمونه إلى حوالي خمس وتسعين لغة.
- وإحدى مجلاتهم تطبع وتوزع منها ثمانية ملايين وتسعمائة ألف نسخة، وتطبع في أربع وخمسين لغة! (11).
وهناك الكثير من الإحصائيات التي تذهل الألباب!! والتي لا نريد أن نكثر من اقتباسها هنا.
إذاً، نحن نرى أن أعداء الإسلام يعملون بقوة، ويراهنون على نشر ثقافتهم وأفكارهم بكل ما أوتوا من جهد وطاقة، فهم يقومون بنشر وتوزيع الكتب والدوريات من (جرائد ومجلات) وغيرها، وبصورة ضخمة حتى وصل عدد ما تنتجه (إسرائيل) المغتصبة لقدسنا الجريح من الدوريات سواء كانت عامة أو متخصصة، يزيد على ما تنتجه كل الدول العربية مجتمعة!! حيث يربو ما تنتجه إسرائيل على الألف!
"بينها أمهات الجرائد العالمية، وذلك أحد أسباب تمكنها من كسب الرأي العام الغربي بل والعالمي إلى جانبها رغم كونهم غاصبين ومحتلين، ورغم أن عددهم لا يتجاوز العشرين مليون نسمة" (12).
وتشير بعض الإحصاءات إلى أن التاجر اليهودي مرودوخ يمتلك 63% من الصحف اليومية الصادرة في استراليا وبريطانيا وأمريكا، ويملك 59% من ملاحق يوم الأحد في البلدان المذكورة(13).
أما نحن فللأسف الشديد ما زلنا حتى الآن نجهل أهمية القراءة وفوائدها الكبرى، وليس غريباً أن نسمع من أبناء أمتنا من يقول إننا أمة لا تقرأ، وأبرز مثال على ذلك أن الناشر العربي لا يطبع أكثر من 3000 نسخة للكتاب الواحد في أمة يتجاوز عدد أفرادها 200 مليون نسمة!
ترى هل يمكننا بعد ذلك أن نقارن بين مستوى العمل التثقيفي التي تقوم به الجهات الإسلامية، وبين الأعمال التي يقوم به الآخرون !! ألا نستحي عند المقارنة؟!
نعم، قد يخالجنا الحياء، إلا أن المنطق السليم يقول: (لا تستحِ من إعطاء القليل، فإن الحرمان أقل منه)، فبتظافر الجهود نستطيع أن نسهم في تغيير الواقع؛ فالسيول تتكون من قطرات الماء! ولنتذكر قول الشاعر: " لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى".
إشاعة العلم:
أكد الإسلام في الكثير من كلماته على ضرورة بث واشاعة العلم والمعرفة خصوصاً في الأوساط الاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان. فرفع مستوى إدراك العامة من الناس يتوقف على ذلك.
فقد جاء في أحد الأحاديث النبوية: "زكاة العلم تعليمه لمن لا يعلمه"، وهناك بعض المأثورات التي تؤكد على أهمية نشر العلم خاصة بين العوام، وذلك عندما تظهر البدع وتتفشى الخرافة والجهل.
فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: "إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله" (14).
ونود أن نلفت النظر هنا إلى أن كلمة (البدع) "لا تنحصر فيما يرجع إلى العقائد والمسائل الذهنية، بل تتعداها إلى شؤون الحياة عامة، كالآداب والملابس والتقاليد… فالبدعة لها مصاديق، كما تومي إليه كلمة "البِدَع" بصيغة الجمع"(15).
ولهذا السبب نحن نؤكد دائماً وأبداً على أن مسؤولية نشر العلم والتفرغ للعمل الفكري والثقافي، ليست مسؤولية علماء الدين فحسب، كما قد يتوهم البعض، بل هي مسؤولية الجميع وواجب الجميع، كما أن طلب العلم فريضة على الجميع، خصوصاً في هذا الزمان الذي كثرت فيه التخصصات.
وجميعنا قد سمع بالحديث النبوي الذي يقول: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة". لكن، هل طلب العلم هنا مطلوب لذاته فحسب، أم هو مطلوب أيضاً لفائدة الإنسان والآخرين من بني جنسه ليكون لهم بمثابة السفينة التي يبحرون بها لتوصلهم إلى ساحل النجاة؟
فالإسلام بقدر ما أكد على طلب العلم "بقدر ما أكد من جديد على نشره وإشاعته فكل من اكتسب علماً أصبح مسؤولاً على إشاعة هذا العلم… وكم هي حالة متطورة جداً إن تتحول إشاعة العلم إلى سلوك اجتماعي عام يلتزم به كل أفراد وفئات المجتمع، السلوك الذي يفتح على المجتمع آفاق التقدم والبناء الحضاري" (16).
ومن كلمات الإمام علي (عليه السلام) الرائعة التي يتحدث فيها عن ضرورة نشر العلم قوله: "ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا" (17).
ومن كلماته أيضاً(عليه السلام): "من كتم علماً فكأنـه جاهل" (18).. فهل نرضى لأنفسنا أن نكون جهّـالاً!
ويطيب لي أن أنقل حديثاً قدسياً في هذا الخصـوص، فقد أوحى الله إلى نبيه موسى (عليه الصلاة والسلام ): "تعلم الخير وعلمه من لا يعلمه، فإني منور لمعلمي الخير ومتعلميه قبورهم، حتى لا يستوحشوا بمكانهم" (19).
ونحن الآن قد تعلمنا الخير، فمتى سوف نقوم بتعليمه؟!
الكتابة والنشر:
"أكتب وبث علمك في إخوانك، فإن مت فورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج، ما يأنسون فيه، إلا بكتبهم" (20).
بهذه الكلمات تحدث الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مبتدئاً كلمته بفعل أمر، وفعل الأمر كما هو معلوم خطاب من العالي إلى الداني؛ فهو يفيد الوجوب، كما يقول الأصوليون، فهل نلتزم الأمر الذي كلفنا به إمامنا الصادق؟
من كل ما سبق نعلم أن "الإسلام يفرض على كل واحد أن يقوم بتعليم غيره، وأن يخرج الناس - بقدر ما يمكنـه - من ظلمات الجهل إلى نور العلم. أضف إلى ذلك أن قيمة العلم في الإسلام يتوقف على إيجابيته وكونه نوراً يضيء للناس وينير سبيلهم. ولأجل ذلك يعد كتمانه مذموماً، والتأبي عن تعليمه منهياً، فعلى العالم أن لا يدع الجهّال يعيشون الجهل، بل عليه أن يبث علمه بين الناس، وأن ينشره في المجتمع، ليملأ نور العلم جميع آفاق الأرض" (21).
ولتعلم أخي القارئ بأن "مخاطبة الناس عبر السطور لهي من صميم متطلبات عملية الإصلاح، فالشخصية الرسالية مطالبة بأن تنمي قدرتها الكتابية حتى تستطيع أن تنشر الفكر الرسالي على أوسع نطاق وحتى تستطيع أن تخاطب كل الناس" (22).
"فكم من أشخاص وفئات كانوا أولي أفكار وأنظار يُجيلونها في أدمغتهم، غير أنهم لم يسعوا لإخراجها إلى عالم الوجود، فلم يترتب عليها أثر، ولم ينتفع منها أحد، وكم من فئة قليلة ليست لهم تلك الأفكار، غير أنهم قد أخرجوا ما كان لديهم من الفكر إلى الوجود، فبقيت منهم آثار خيرة فاضلة" (23).
وفي الختام:
نحن لا نريد أن يفهم البعض من كلامنا هذا بأننا ندعو كل من كان قادراً على مسك القلم؛ أن يكتب كل ما يحلو له عن (الدين والإسلام والمجتمع… الخ)، حتى لو كانت كتابته تسيء للدين والمجتمع، أكثر مما تنفع! بل العكس نحن نريد أولئك الرجال {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً} [الأحزاب: 39].
نريد من ينشر فكر الإصلاح قبال فكر الإفساد.. فكر التعاون قبال فكر التطاحن.. فكر التعايش قبال فكر الإلغاء.. فكر التسامح قبال فكر التعصب.. ذلك "إن الثقافة ليست محرمة على أحد في كل صورها بما فيها ثقافة الدين، ولا يحق لأحد مهما كان تخصصه أن يمنع غيره من التخصص والبحث، فالفقيه مثلاً ليس من صلاحياته فرض قوانين على الناس كي لا يتعاملوا مع الثقافة الدينية مكتفين بقوله هو، وكذلك الفيلسوف وعالم الاجتماع وما إلى ذلك. لكن من حق هؤلاء أن يرفضوا العبثية في التخصصات، ويطالبوا كل راغب للإثارة أو التحقيق أن يتشبّع بالأسس الخاصة بكل علم قبل الخوض فيه" (24).
فـ"هموم المجتمع ومشاكله كثيرة جداً، ومهما كَثُر الدعاة والمصلحون فإنه يتعذّر عليهم السيطرة عليها وتلبية كل احتياجاتها. ثم ان تلك الهموم ليست من نوع واحد، ففيها ما يستطيع السياسي التصدي إليه، وفيها ما يستطيع عالم الدين الاهتمام به، وفيها ما يستطيعه المثقف وهكذا غيره" (25).
فهل لنا بعد ذلك أن نشمر عن سواعدنا بالجد والاجتهاد والعمل والتحرك لخدمة ديننا الكريم وأمتنا الإسلامية، وتكون إحدى وسائلنا في ذلك نشر الثقافة الرسالية الحقة بين أبناء الأمة، عن طريق ما نقدمه من إنتاج فكري.. {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105].
يزخر مجتمعنا كغيره من المجتمعات بكفاءات وقدرات عالية، قادرة على العطاء والإنتاج، لذا يتحتم علينا تشجيع هذه الكفاءات ودعمها، ولو بالكلمة الطيبة التي تعتبر بمثابة الصدقة، كأضعف الإيمان، وذلك من أجل أن تعمل هذه الطاقات على خدمة أمتنا عن طريق الكتابة والتأليف، ونشر الكتاب الإسلامي الهادف الذي يبشر بالفكر الرسالي الخلاّق.
"وعلى كل فرد أن يساهم بالقدر الممكن، فهذا يطبع ألوف الكتب والآخر… يتكفل بإصدار جريدة أو مجلة ذات مستوى جيد، وهكذا " (9).
فالمطلوب نشر 3 مليارات من الكتب، كما يرى المرجع الديني المعاصر الإمام (السيد محمد الحسيني الشيرازي) في أطروحةٍ جديدة له وذلك أضعف الإيمان حسب قوله! بحيث تتنوع هذه الكتب "في مختلف الجوانب الإسلامية، وبمختلف المستويات واللغات ، فإن الإسلام قد اختفى تحت ضباب كثيف من الجهل والغموض والإثارات ضده، ولا يمكن إخراجه منه إلا بتعميم العلم به، ومن طرق تعميم العلم به، الكتب المبينة لمختلف جوانبه، فإن أعداء الإسلام والجاهلين به، نشروا أضعاف هذا العدد من الكتب لمحاربته والتنقيص منه" (10).
وأمامي الآن بعض الأرقام والإحصائيات التي نقلها فضيلة الدكتور الشيخ (حسن موسى الصفار) عن الداعية المعروف الشيخ (أحمد حسن ديدات)، أقتطع منها ما يلي:
- هناك مجلة مسيحية تبشيرية اسمها (الثمرة الجلية The Plain Fruit) تصدر في الولايات المتحدة الأمريكيـة ، وتوزع منها ثمانية ملايين وثمانمائة ألف نسخة شهرياً، وهي مجانية، ولا تصدر عن دائرة حكومية، بل إن ناشرها شخص واحد، ولديه محطات تلفاز واستديوهات فيديو.
- وتوجد في الولايات المتحدة الأمريكية جماعة يطلقون على أنفسهم (شهود يهوه) يبلغ عدد أعضائهم في العالم حوالي مليوني عضو، وإذا نشروا كتاباً يطبعون منه أربعة وثمانين مليون نسخة، ويترجمونه إلى حوالي خمس وتسعين لغة.
- وإحدى مجلاتهم تطبع وتوزع منها ثمانية ملايين وتسعمائة ألف نسخة، وتطبع في أربع وخمسين لغة! (11).
وهناك الكثير من الإحصائيات التي تذهل الألباب!! والتي لا نريد أن نكثر من اقتباسها هنا.
إذاً، نحن نرى أن أعداء الإسلام يعملون بقوة، ويراهنون على نشر ثقافتهم وأفكارهم بكل ما أوتوا من جهد وطاقة، فهم يقومون بنشر وتوزيع الكتب والدوريات من (جرائد ومجلات) وغيرها، وبصورة ضخمة حتى وصل عدد ما تنتجه (إسرائيل) المغتصبة لقدسنا الجريح من الدوريات سواء كانت عامة أو متخصصة، يزيد على ما تنتجه كل الدول العربية مجتمعة!! حيث يربو ما تنتجه إسرائيل على الألف!
"بينها أمهات الجرائد العالمية، وذلك أحد أسباب تمكنها من كسب الرأي العام الغربي بل والعالمي إلى جانبها رغم كونهم غاصبين ومحتلين، ورغم أن عددهم لا يتجاوز العشرين مليون نسمة" (12).
وتشير بعض الإحصاءات إلى أن التاجر اليهودي مرودوخ يمتلك 63% من الصحف اليومية الصادرة في استراليا وبريطانيا وأمريكا، ويملك 59% من ملاحق يوم الأحد في البلدان المذكورة(13).
أما نحن فللأسف الشديد ما زلنا حتى الآن نجهل أهمية القراءة وفوائدها الكبرى، وليس غريباً أن نسمع من أبناء أمتنا من يقول إننا أمة لا تقرأ، وأبرز مثال على ذلك أن الناشر العربي لا يطبع أكثر من 3000 نسخة للكتاب الواحد في أمة يتجاوز عدد أفرادها 200 مليون نسمة!
ترى هل يمكننا بعد ذلك أن نقارن بين مستوى العمل التثقيفي التي تقوم به الجهات الإسلامية، وبين الأعمال التي يقوم به الآخرون !! ألا نستحي عند المقارنة؟!
نعم، قد يخالجنا الحياء، إلا أن المنطق السليم يقول: (لا تستحِ من إعطاء القليل، فإن الحرمان أقل منه)، فبتظافر الجهود نستطيع أن نسهم في تغيير الواقع؛ فالسيول تتكون من قطرات الماء! ولنتذكر قول الشاعر: " لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى".
إشاعة العلم:
أكد الإسلام في الكثير من كلماته على ضرورة بث واشاعة العلم والمعرفة خصوصاً في الأوساط الاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان. فرفع مستوى إدراك العامة من الناس يتوقف على ذلك.
فقد جاء في أحد الأحاديث النبوية: "زكاة العلم تعليمه لمن لا يعلمه"، وهناك بعض المأثورات التي تؤكد على أهمية نشر العلم خاصة بين العوام، وذلك عندما تظهر البدع وتتفشى الخرافة والجهل.
فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: "إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله" (14).
ونود أن نلفت النظر هنا إلى أن كلمة (البدع) "لا تنحصر فيما يرجع إلى العقائد والمسائل الذهنية، بل تتعداها إلى شؤون الحياة عامة، كالآداب والملابس والتقاليد… فالبدعة لها مصاديق، كما تومي إليه كلمة "البِدَع" بصيغة الجمع"(15).
ولهذا السبب نحن نؤكد دائماً وأبداً على أن مسؤولية نشر العلم والتفرغ للعمل الفكري والثقافي، ليست مسؤولية علماء الدين فحسب، كما قد يتوهم البعض، بل هي مسؤولية الجميع وواجب الجميع، كما أن طلب العلم فريضة على الجميع، خصوصاً في هذا الزمان الذي كثرت فيه التخصصات.
وجميعنا قد سمع بالحديث النبوي الذي يقول: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة". لكن، هل طلب العلم هنا مطلوب لذاته فحسب، أم هو مطلوب أيضاً لفائدة الإنسان والآخرين من بني جنسه ليكون لهم بمثابة السفينة التي يبحرون بها لتوصلهم إلى ساحل النجاة؟
فالإسلام بقدر ما أكد على طلب العلم "بقدر ما أكد من جديد على نشره وإشاعته فكل من اكتسب علماً أصبح مسؤولاً على إشاعة هذا العلم… وكم هي حالة متطورة جداً إن تتحول إشاعة العلم إلى سلوك اجتماعي عام يلتزم به كل أفراد وفئات المجتمع، السلوك الذي يفتح على المجتمع آفاق التقدم والبناء الحضاري" (16).
ومن كلمات الإمام علي (عليه السلام) الرائعة التي يتحدث فيها عن ضرورة نشر العلم قوله: "ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا" (17).
ومن كلماته أيضاً(عليه السلام): "من كتم علماً فكأنـه جاهل" (18).. فهل نرضى لأنفسنا أن نكون جهّـالاً!
ويطيب لي أن أنقل حديثاً قدسياً في هذا الخصـوص، فقد أوحى الله إلى نبيه موسى (عليه الصلاة والسلام ): "تعلم الخير وعلمه من لا يعلمه، فإني منور لمعلمي الخير ومتعلميه قبورهم، حتى لا يستوحشوا بمكانهم" (19).
ونحن الآن قد تعلمنا الخير، فمتى سوف نقوم بتعليمه؟!
الكتابة والنشر:
"أكتب وبث علمك في إخوانك، فإن مت فورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج، ما يأنسون فيه، إلا بكتبهم" (20).
بهذه الكلمات تحدث الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مبتدئاً كلمته بفعل أمر، وفعل الأمر كما هو معلوم خطاب من العالي إلى الداني؛ فهو يفيد الوجوب، كما يقول الأصوليون، فهل نلتزم الأمر الذي كلفنا به إمامنا الصادق؟
من كل ما سبق نعلم أن "الإسلام يفرض على كل واحد أن يقوم بتعليم غيره، وأن يخرج الناس - بقدر ما يمكنـه - من ظلمات الجهل إلى نور العلم. أضف إلى ذلك أن قيمة العلم في الإسلام يتوقف على إيجابيته وكونه نوراً يضيء للناس وينير سبيلهم. ولأجل ذلك يعد كتمانه مذموماً، والتأبي عن تعليمه منهياً، فعلى العالم أن لا يدع الجهّال يعيشون الجهل، بل عليه أن يبث علمه بين الناس، وأن ينشره في المجتمع، ليملأ نور العلم جميع آفاق الأرض" (21).
ولتعلم أخي القارئ بأن "مخاطبة الناس عبر السطور لهي من صميم متطلبات عملية الإصلاح، فالشخصية الرسالية مطالبة بأن تنمي قدرتها الكتابية حتى تستطيع أن تنشر الفكر الرسالي على أوسع نطاق وحتى تستطيع أن تخاطب كل الناس" (22).
"فكم من أشخاص وفئات كانوا أولي أفكار وأنظار يُجيلونها في أدمغتهم، غير أنهم لم يسعوا لإخراجها إلى عالم الوجود، فلم يترتب عليها أثر، ولم ينتفع منها أحد، وكم من فئة قليلة ليست لهم تلك الأفكار، غير أنهم قد أخرجوا ما كان لديهم من الفكر إلى الوجود، فبقيت منهم آثار خيرة فاضلة" (23).
وفي الختام:
نحن لا نريد أن يفهم البعض من كلامنا هذا بأننا ندعو كل من كان قادراً على مسك القلم؛ أن يكتب كل ما يحلو له عن (الدين والإسلام والمجتمع… الخ)، حتى لو كانت كتابته تسيء للدين والمجتمع، أكثر مما تنفع! بل العكس نحن نريد أولئك الرجال {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً} [الأحزاب: 39].
نريد من ينشر فكر الإصلاح قبال فكر الإفساد.. فكر التعاون قبال فكر التطاحن.. فكر التعايش قبال فكر الإلغاء.. فكر التسامح قبال فكر التعصب.. ذلك "إن الثقافة ليست محرمة على أحد في كل صورها بما فيها ثقافة الدين، ولا يحق لأحد مهما كان تخصصه أن يمنع غيره من التخصص والبحث، فالفقيه مثلاً ليس من صلاحياته فرض قوانين على الناس كي لا يتعاملوا مع الثقافة الدينية مكتفين بقوله هو، وكذلك الفيلسوف وعالم الاجتماع وما إلى ذلك. لكن من حق هؤلاء أن يرفضوا العبثية في التخصصات، ويطالبوا كل راغب للإثارة أو التحقيق أن يتشبّع بالأسس الخاصة بكل علم قبل الخوض فيه" (24).
فـ"هموم المجتمع ومشاكله كثيرة جداً، ومهما كَثُر الدعاة والمصلحون فإنه يتعذّر عليهم السيطرة عليها وتلبية كل احتياجاتها. ثم ان تلك الهموم ليست من نوع واحد، ففيها ما يستطيع السياسي التصدي إليه، وفيها ما يستطيع عالم الدين الاهتمام به، وفيها ما يستطيعه المثقف وهكذا غيره" (25).
فهل لنا بعد ذلك أن نشمر عن سواعدنا بالجد والاجتهاد والعمل والتحرك لخدمة ديننا الكريم وأمتنا الإسلامية، وتكون إحدى وسائلنا في ذلك نشر الثقافة الرسالية الحقة بين أبناء الأمة، عن طريق ما نقدمه من إنتاج فكري.. {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105].
صفي الرحمان- عدد المساهمات : 39
تاريخ التسجيل : 05/11/2008
العمر : 36
مـنـتـديــات حـضـانــة مـيـســـون :: منتدى التنمية البشرية :: منتدى التنمية البشرية :: القسم الإسلامي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى